الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

شذرات من حياة ( المازني ) ~


 





قصة حياة

ابراهيم عبد القادر المازني.



·       قسوة الكفاح ومرارة الصبر على طول الحرمان جففتا عبَراتي وعلمتني

أن أبكي بقلبي دون عيني وأن أستر ضعفي على الناس فلا أبدو لهم إلا

بصفحة وجه يقرءون فيها آيات الرضا والاستبشار والثقة.

·       جعلت كدِّي كلما بدا لي مايسوء أو يريب أو يسخط من أحد

أن أحاول أن أضع نفسي في مكانه وأن أنظر ماذا أصنع لو أنني كنت مكانه

فأصبحت فيما أعتقد أعدل وزنا وأكثر إنصافا وأسرع إلى تمهيد العذر مني إلى سوء الرأي.

·       والناس لايضربون بنيهم في هذه الأيام كما كان أبي يضرب أخي , وهم في هذا

على حق , فإن الضرب ليس تأديبا وإنما هو ترفيه عن الوالد ووسيلة لإراحته من ثقل الشعور الذي 

يجيش بصدره فهو شيء ينفع الأب ولاينفع الإبن!!

·       كان كل طريق إلى بيتي يحوج إلى اجتياز المقابر فكنت أسلكها كل يوم

وأرى الأجداث المبعثرة في كل صباح ومساء تحت ضوء القمر وفي وقدة الظهر

وفي الظلمة الحالكة وفي البكرة المطلولة فنفعني هذا وبلّد شعوري بالموت

·       ولم ينجني من جنوني – بعد وفاة زوجتي نتيجة اهمال الطبيب- إلا انكبابي على ابن الرومي, 

والإشتغال بتصحيح الأخطاء في ديوانيه الذي كنت أستنسخه قبل ذلك

وهذه أول مرة نفعني فيها شاعر !

·       طاعة النفس يجئ في أعقابها ما لايطاق من الآلام والأوجاع

·       قلت لنفسي لقد جاوزت الخمسين فأنت الآن في المنحدر منت على جانب آخر

من جهل الحياة تصعد و تتوقل ويصرفك ما في الصعود من مشقات وما يتقاضاك من جهد وما تأخذه 

عينك من صور ومناظر عن التفكير في الذروة وما بعدها فالآن أشرفت على الجانب الآخر  ولامفر 

لك من النزول وعبث باطل ليس يجدى أن تخادع نفسك وتوهمها خلاف ذلك.

·       المعول في الحياة ليس على الطول والعبرة ليست بالمدة , بل بالإمتلاء والسعة

ولولا شهادة الميلاد لما صدقت أني تجاوزت الخمسين .

·       ذكرى الشباب أحلى من حقيقته وأعذب وإني لأغوص في أعماق نفسي الآن

فأجد أني في شبابي لم أسعد به كما أسعد بذكراه.

·       الماضي أوقع في النفس لأن ذكراه تثير السرور بما كان فيه من حسن والأسف على انقضائه وتمني 

عودته ولكن الحاضر يشغل بمعاناته عن التفكير فيه والإحساس به من

نواحيه جميعا كالسابح في الماء يشغل بجهد السباحة عما حوله من المناظر.

·       إذا وسع الإنسان أن يكون في اللحظة الحاضرة وأن ينأى عنها ويلاحظها من بعيد

ويتأملها ويوقظ لها نفسه وحسه وعقله كما يفعل حين يتدبر الماضي فإنه يستطيع

أن يضيف إلى لذة الحاضر المتع المستفادة من رجع البصر أو التذكر.

·       المرء في الصغر يركب حياته بالجهل أما في الكهولة فإنه يركبها بالإرادة وهو في شبابه

يكون محمولا على متن تيار لا يستطيع أن يقاومه أو يصده وفي كهولته  يكون كراكب السفينة 

المطاوعة يمخر بها إلى حيث يبغي وقد صارت في عونه تجربته وسكون التيار.

·       ليس أحلى عندي ولا أمتع ولا أوقع ولا أروع من أن أتناول نفسي كلما تيسرت لي الخلوة بها 

وأحطها على كرسي أمامي وأجيل فيها عيني وأفحصها وأجسُّها وأسبر أغوارها وأمتحن نزعاتها وبواعثها 

وألتمس المصادر الأولى لأهوائها في أعماقها وإصلاحها بحقيقة ما أرى وأعتقد بلا تلعثم أو مصانعة أو 

مغالطة وعسى أن يكون هذا

مدعاة للإسراف والشطط ولعله يحمل على التجني ولكنه خير عندي من المغالطة على كل حال.

·       كانت الكتب تعديني وتسحرني فأنظر إلى الدنيا بعيون أصحابها لا بعيني وأحسها بقلوبهم لا بقلبي 

وأتصور حياتي وأقيسها على ما يروقني من صور الحياة في هذه

الكتب وأنتحل آمال أصحابها ومخاوفهم وصور الكمال عندهم وأوحي ذلك كله إلى

نفسي ثم أزعمني ندهم وقريعهم فأزهى وأتكبر وأغتر لأني أرى نفسي كما رسمها

خيالي الذي استمد من  هذه الكتب لاكما هي في الواقع وكنت أفعل الشيء أو أتركه

بوحي هذه الكتب.

·       لم أكن في شبابي أتلقى وقع الحياة مباشرة بل عن طريق الكتب وكنت لهذا كالذي نومه غيره تنويما 

مغناطيسيا فرأيه وشعوره وعواطفه وهواه وأمله وخوفه وحبه وبعضه

هو ما يُحدث في نفسه إيحاء منومه.

·       كنت أصور لنفسي فناء العالم كله بل العوالم أجمع حتى هذا لم يكن فيه مقنع

فكنت أشتهي أن أكون آخر من في الدنيا لأشهد مصرعها بعيني وأطمئن وكان نتيجة

ذلك صورة فنيه شعرية تصورت فيها ثلاثة نساجين يصنعون كفنا للعالم !!

ألا ليتني في الأرض آخر أهلها

فأشهد هذا النحب يقضيه عالَمُ



انتهت


3صفر 1435

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية